الجمعة، ديسمبر 16، 2011

جامعة الظلال


أخيرًا لمستُ الحياهْ

وأدركتُ ما هي أيُّ فراغٍ ثَقيلْ

أخيرًا تبيّنتُ سرَّ الفقاقيعِ واخيبتاهْ

وأدركتُ أني أضعتُ زمانًا طويلْ

ألُمُّ الظلالَ وأخبِطُ في عَتْمة المستحيلْ

ألمُّ الظلالَ ولا شيءَ غير الظِلالْ

ومرَّتْ عليَّ الليالْ

وها أنا أُدْركُ أني لمستُ الحياهْ

وإن كنت أصرُخُ واخيبتاهْ!

ومرَّ عليَّ زمانٌ بطيءُ العُبورْ

دقائقُهُ تتمطّى مَلالاً كأنَّ العُصورْ

هنالكَ تغفو وتنسى مواكبُها أن تدورْ

زمانٌ شديدُ السواد, ولونُ النجومْ

يذكّرُني بعيونِ الذئابْ

وضوءٌ صغيرٌ يلوحُ وراءَ الغُيومْ

عرفتُ به في النهايةِ لونَ السَّرابْ

ووهمَ الحياهْ

فواخيبتاهْ

أهذا إذن هو ما لقّبوهُ الحياهْ؟

خُطوطٌ نظَلُّ نخطِّطُها فوقَ وجهِ المياهْ؟

وأصداءُ أغنيةٍ فظّةٍ لا تَمَسُّ الشِّفاهْ؟

وهذا إذنْ هو سرُّ الوجودْ؟

ليالٍ ممزّقةٌ لا تعودْ؟

وآثارُ أقدامِنا في طريقِ الزمان الأصَمْ

تمرُّ عليها يدُ العاصفهْ

فتمسحُها دونما عاطفهْ

وتُسْلمُها للعَدَمْ

ونحنُ ضحايا هنا

تجوعُ وتعطشُ أرواحُنا الحائرهْ

ونحسَبُ أَن المنى

ستملأ يومًا مشاعرَنا العاصرهْ

ونجهلُ أَنَّا ندورْ

مع الوَهْم في حَلَقاتْ

نجزِّئُ أيامَنا الآفلاتْ

إلى ذكرياتْ

وننتظرُ الغَدَ خلفَ العُصورْ

ونجهلُ أَن القبور ْ

تمدُّ إلينا بأذرعِها الباردهْ

ونجهلُ أَنّ الستائرَ تُخفي يدًا ماردهْ 
**

عرفتُ الحياةَ, وضِقتُ بجمع الظلالْ

وأضجرَني أن نجوبَ التلالْ

نحدّقُ في حَسرةٍ خلفَ رَكبِ الليالْ

تسيرُ بنا القافلهْ

نجوسُ الشوارعَ في وَحْدةٍ قاتلهْ

إلامَ يُخادعُنا المبهَمُ؟

وكيفَ النهايةُ? لا أحدٌ يعلم 
**

سنبقى نسيرْ

وأبقى أنا في ذُهولي الغريرْ

ألُمُّ الظلالَ كما كنتُ دونَ اهتمامْ

عيونٌ ولا لونَ, لا شيءَ إلاَّ الظلامْ

شفاهٌ تُريدُ ولا شيءَ يَقرَبُ مما تريدْ

وأيدٍ تُريدُ احتضانَ الفضاءِ المديدْ

وقلبٌ يريدُ النجومْ

فيصفعُهُ في الدياجيرِ صوتُ القَدُومْ

يُهيلُ الترابَ على آخر الميّتينْ

وأقصوصةٌ من يَرَاع السنينْ

تضجُّ بسمعي فأصرخ: آه!

أخيرًا عرفتُ الحياهْ

فواخيبتاهْ!

الأحد، ديسمبر 11، 2011

لحن النسيان

لم يا حياه
تذوي عذوبتك الطرية في الشفاه
لم، وارتطام الكأس بالفم لم تزل
في السمع همس من صداه
ولم الملل
يبقى يعشش في الكؤوس مع الأمل
ويعيش حتى في مرور يدي حلم
فوق المباسم والمقل
ولم الإثم
يبقى رحيقي المذاق، اعز حتى من نغم؟
ولم الكواكب حين تغرب في الأفق
تفتر جذلى للعدم؟
ولم الفراق
يحيا على بعض الجباه مع الأرق
وتنام آلاف العيون إلى الصباح
دون انفعال أو قلق

السبت، نوفمبر 19، 2011

خرافات


قالوا الحياة
هي لونُ عينَيْ ميّتِ
هي وقعُ خَطو القاتلِ المتلفّتِ
أيامُها المتجعداتْ
كالمعطفِ المسموم ينضَحُ بالمماتْ
أحلامُها بَسَماتُ سعْلاةٍ مخدِّرةِ العيونْ
ووراءَ بسمتِها المَنُونْ
قالوا الأملْ
هو حَسرةُ الظمآنِ حينَ يرى الكؤوسْ
في صورةٍ فوق الجدارْ
هو ذلكَ اللونُ العَبُوسْ
في وجه عُصْفورٍ تَحطّمَ عُشُّهُ فبكى وطارْ
وأقام ينتظرُ الصباحَ لعلَّ مُعجزةً تُعيدْ
أنقاضَ مأواهُ المخرَّبِ من جديدْ
قالوا النعيمْ
وبحثتُ عنه في العيونِ الغائراتْ
في قصّةِ البؤسِ التي كُتبتْ على بعض الوجوهْ
في الدهْرِ تأكلُهُ سنوهْ
في الزهرِ يرصُدُ عِطرَهُ شَبحُ الذبولْ
في نجمةٍ حسناءَ يرصُدُها الأفولْ
قالوا النعيمُ ولم أجدْهُ فهل طَوى غدَهُ وماتْ?
قالوا السكونْ
أسطورةٌ حمقاءُ جاء بها جَمَادْ
يُصغي بأذنيه ويتركُ روحَه تحت الرَّمادْ
لم يسمعِ الصَّرَخاتِ يُرْسلُها السياجْ,
وقصائصُ الورقِ الممزَّق في الخرائبِ, والغبارْ, ومقاعدُ الغُرَفِ القديمة, والزُّجَاجْ,
غطّاهُ نَسْجُ العنكبوت, ومعطفٌ فوق الجدارْ
قالوا الشباب
وسألتُ عنه فحدثوني عن سنينْ
تأتي فينقشعُ الضَّبَابْ
وتحدثوا عن جنّةٍ خلف السَّرَابْ
وتحدثوا عن واحةٍ للمتعَبينْ
وبلغتُها فوجدتُ أحلامَ الغَدِ
مصلوبةً عند الرِّتاج الموصَدِ
قالوا الخلودْ
ووجدتُهُ ظلا تمطَّى في بُرُودْ
فوق المدافنِ حيثُ تنكمشُ الحياهْ
ووجدتُهُ لفظًا على بعض الشفاهْ
غنّته وهي تنوحُ ماضيها وتُنزلُهُ اللحودْ
غنّتْهُ وهي تموتُ... يا لَلازدراء!
قالوا الخلودُ, ولم أجدْ إلاَّ الفناءْ
قالوا القلوبْ
ووجدتُ أبوابًا تؤدي في اختناقْ
لمقابرٍ دُفِن الشعورُ بها وماتَ غدُ الخيالْ
جُدرانُها اللزِجاتُ تبتلعُ الجَمَالْ
وتمجُّ قبحًا لا يُطاقْ
وهربتُ شاحبةً أتلك إذنْ قلوبْ?
يا خيبةَ الأحلامِ. إني لن أؤوبْ
قالوا العيونْ
ووجدتُ أجفانًا وليس لها بَصَرْ
وعَرَفْتُ أهدابًا شُدِدْن إلى حَجَرْ
وخبرتُ أقباءً ملفّعةً بأستار الظنونْ
عمياءَ عن غير الشُّرور وإن تكن تُدعى عيونْ
وعرفتُ آلافًا وأعينُهم صفائحُ من زجاجْ
زرقاءُ في لون السماء, وخلف زرقتها دَياجْ
قالوا وقالوا
ألفاظُهم لاكت تَرَدُّدَها الرياحْ
في عالم أصواتُهُ الجوفاءُ يرصُدُها الفناءْ
المتعبونَ بلا ارتياحْ
الضائعونَ بلا انتهاءْ
قالوا وقلتُ وليس يبقى ما يُقالْ
يا لَلخرافةِ! يا لَسُخريةِ الخيالْ!

السبت، أكتوبر 29، 2011

مرثية امرأة لا قيمـة لها

ذهبتْ ولم يَشْحَبْ لها خَدٌّ ولم ترجفْ  شفاهُ
لم تسْمعِ الأبوابُ قصَّةَ موتِها  تُرْوَى  وتُرْوَى
لم ترتفعْ  أستارُ  نافذةٍ  تسيلُ  أسىً  وشَجْوَا
لتتابعَ  التابوتَ  بالتحديـقِ  حتى  لا  تـراه
إلا بقيَّـةَ هيكلٍ  في  الدربِ  تُرْعِشُه  الذِّكَرْ
نبأٌ تعثَّرَ في الدروبِ فلم يَجد مأوىً  صـداهُ
فأوى  إلى  النسيانِ  في  بعضِ  الحُفَـرْ
يَرثي كآبَتَهُ القَمَرْ .
* * *
والليلُ أسلمَ  نفسَهُ  دونَ  اهتمـامٍ ، للصَّباحْ
وأتى الضياءُ بصوتِ  بائعةِ  الحليبِ  وبالصيامْ
بِمُواءِ  قِطٍّ جائعٍ لم  تَبْقَ  منه  سوى  عظـامْ
بِمُشاجراتِ  البائعين ، وبالمـرارةِ   والكفاحْ   
بتراشُقِ الصبيان بالأحجارِ في  عُرْضِ  الطريقْ
بِمَساربِ الماءِ  المُلَوَّثِ  في الأزِقَّـةِ ،  بالرياحْ
تلهو بأبوابِ السطوح بلا رفيقْ
في شبهِ نسيانٍ عميقْ
* * *

الخميس، أكتوبر 20، 2011

عاشقة الليل



يا ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ
جاء يَسْعَى، تحتَ أستاركَ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ


هو، يا ليلُ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا


جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ، والصَمْتُ فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ


إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ


ما الذي، شاعرةَ الحَيْرةِ، يُغْري بالسماءِ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء


طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً، شاعرةَ الحَيْرةِ، ما سـرُّ الذُهُولِ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ؟
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ


أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ

الأحد، أكتوبر 09، 2011

خمس أغان للألم


1 
مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ

ساقي مآقينا كؤوسَ الأرَقْ

نحنُ وجدناهُ على دَرْبنا

ذاتَ صباحٍ مَطِيرْ

ونحنُ أعطيناهُ من حُبّنا

رَبْتَةَ إشفاقٍ وركنًا صغيرْ

ينبِضُ في قلبنا
**

فلم يَعُد يتركُنا أو يغيبْ

عن دَرْبنا مَرّهْ

يتبعُنا ملءَ الوجودِ الرحيبْ

يا ليتَنا لم نَسقِهِ قَطْرهْ

ذاكَ الصَّباحَ الكئيبْ

مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ

ساقي مآقينا كؤوس الأرَقْ

2
مِن أينَ يأتينا الأَلمْ؟

من أَينَ يأتينا؟

آخَى رؤانا من قِدَمْ

ورَعى قوافينا
**

أمسِ اصْطحبناهُ إلى لُجج المياهْ

وهناكَ كسّرناه بدّدْناهُ في موج البُحَيرهْ

لم نُبْقِ منه آهةً لم نُبْقِ عَبْرهْ

ولقد حَسِبْنا أنّنا عُدْنا بمنجًى من أذَاهْ

ما عاد يُلْقي الحُزْنَ في بَسَماتنا

أو يخْبئ الغُصَصَ المريرةَ خلف أغنيَّاتِنا
**

ثم استلمنا وردةً حمراءَ دافئةَ العبيرْ

أحبابُنا بعثوا بها عبْرَ البحارْ

ماذا توقّعناهُ فيها؟ غبطةٌ ورِضًا قريرْ

لكنّها انتفضَتْ وسالتْ أدمعًا عطْشى حِرَارْ

وسَقَتْ أصابعَنا الحزيناتِ النَّغَمْ

إنّا نحبّك يا ألمْ
**

من أينَ يأتينا الألم؟

من أين يأتينا؟

آخى رؤانا من قِدَمْ

ورَعَى قوافينا

إنّا له عَطَشٌ وفَمْ

يحيا ويَسْقينا

3 
أليسَ في إمكاننا أن نَغْلِبَ الألمْ؟

نُرْجِئْهُ إلى صباحٍ قادمٍ؟ أو أمْسِيهْ

نشغُلُهُ؟ نُقْنعهُ بلعبةٍ؟ بأغنيهْ؟

بقصّةٍ قديمةٍ منسيّةِ النَّغَمْ؟
**

ومَن عَسَاهُ أن يكون ذلك الألمْ؟

طفلٌ صغيرٌ ناعمٌ مُستْفهِم العيونْ

تسْكته تهويدةٌ ورَبْتَةٌ حَنونْ

وإن تبسّمنا وغنّينا له يَنَمْ
**

يا أصبعًا أهدى لنا الدموع والنَّدَمْ

مَن غيرهُ أغلقَ في وجه أسانا قلبَهُ

ثم أتانا باكيًا يسألُ أن نُحبّهُ؟

ومن سواهُ وزّعَ الجراحَ وابتسَمْ؟
**

هذا الصغيرُ... إنّه أبرَأ مَنْ ظَلَمْ

عدوّنا المحبّ أو صديقنا اللدودْ

يا طَعْنةً تريدُ أن نمنحَها خُدودْ

دون اختلاجٍ عاتبٍ ودونما ألمْ
**

يا طفلَنا الصغيرَ سَامحْنا يدًا وفَمْ

تحفِرُ في عُيوننا معابرًا للأدمعِ

وتَسْتَثيرُ جُرْحَنا في موضعٍ وموضعِ

إنّا غَفَرْنا الذنبَ والإيذاء من قِدَمْ

4 
كيف ننسىَ الألَمْ

كيف ننساهُ؟

من يُضيءُ لنا

ليلَ ذكراهُ؟

سوف نشربُهُ سوف نأكلُهُ

وسنقفو شُرودَ خُطَاه

وإذا نِمنا كان هيكلُهُ

هو آخرَ شيءٍ نَرَاهْ
**

وملامحُهُ هي أوّلَ ما

سوف نُبْصرُهُ في الصباحْ

وسنحملُهُ مَعَنا حيثُما

حملتنا المُنى والجراحْ
**

سنُبيحُ له أن يُقيم السُّدودْ

بين أشواقنا والقَمَرْ

بين حُرْقتنا وغديرٍ بَرُودْ

بين أعيننا والنَّظَرْ
**

وسنسمح أن يَنْشُر البَلْوى

والأسَى في مآقينا

وسنُؤْويه في ثِنْيةٍ نَشْوَى

من ضلوع أغانينا
**

وأخيرًا ستجرفُهُ الوديانْ

ويوسّدُهُ الصُّبَّيْر

وسيهبِطُ واديَنَا النسيان

يا أسانا، مساءَ الخَيْرْ!
**

سوف ننسى الألم

سوف ننساهُ

إنّنا بالرضا

قد سقيناهُ

نحن توّجناكَ في تهويمةِ الفجْرِ إلهَا

وعلى مذبحكَ الفضيّ مرّغْنَا الجِبَاهَا

يا هَوانا يا ألَمْ

ومن الكَتّانِ والسِّمْسِمِ أحرقنا بخورَا

ثمّ قَدّمْنا القرابينَ ورتّلْنَا سُطورَا

بابليَّاتِ النَّغَمْ
**

نحنُ شَيّدنا لكَ المعبَدَ جُدرانًا شَذيّهْ

ورَششنا أرضَهُ بالزَّيتِ والخمرِ النَّقيَّهْ

والدموع المُحرِقهْ

نحن أشعلنا لكَ النيرانَ من سَعف النخيلِ

وأسانا وَهشيم القمح في ليلٍ طويلِ

بشفاهٍ مُطْبَقَهْ
**

نحنُ رتّلْنَا ونادَيْنا وقدّمْنا النذورْ:

بَلَحٌ من بابلِ السَّكْرَى وخُبْزٌ وخمورْ

وورودٌ فَرِحَهْ

ثمّ صلّينا لعينيك وقرّبنا ضحيّهْ

وجَمَعْنا قطَراتِ الأدمُعِ الحرّى السخيّهْ

وَصنَعْنا مَسْبَحَهْ
**

أنتَ يا مَنْ كفُّهُ أعطتْ لحونًا وأغاني

يا دموعًا تمنحُ الحكمةَ، يا نبْعَ معانِ

يا ثَرَاءً وخُصوبَهْ

يا حنانًا قاسيًا يا نقمةً تقطُرُ رحْمَه

نحنُ خبّأناكَ في أحلامنا في كلّ نغْمهْ

من أغانينا الكئيبهْ